براعة الاتصال .
لفت انتباهي مشكلة كتبتها إحدى الزوجات متزوجة لأكثر من عشر سنوات ولها ثلاثة أطفال لكنها تقول : أنها تشعر إن لحظة التقائها بزوجها أصعب عليها من لحظات حملها وولادتها !!
الأمر الذي يسبب لها نفوراً عن زوجها حين يطلبها أو يريدها !!!
وأعجب من هذا شكوى تلك الزوجة التي استهلت شكواها بطلقة تقول فيها : ( الرجل ألا تلحقه اللعنة ؟ !! )
تقول : كلّما شكينا أزواجنا إلى العلماء والمختصين أوصونا بالصبر عليهم !!!
وكلّما شكانا أزواجنا إليهم جاءتنا الصرخات التي تقول أننا ملعونات إن لم نجب أزواجنا إلى وطرهم ؟!
فإن كانت المرأة تريد الرجل والرجل ينفر عنها ولا يأتيها ألا تلحقه اللعنة ؟!!
وبغض النظر عن صياغة الشكوى ..! إلى النظر في أبعادها . .
الأمر الذي يعطينا مؤشراً خطيراً في تحوّل الحياة بين الزوجين من الألفة إلى النفور ..!
والنفور الجسدي يؤثر - حتماً - على التوافق النفسي والروحي بين الزوجين ، ولذلك هما أمران متعلقان مرتبطان ببعضيهما . .
التمازج النفسي والتمازج الجسدي !
* أَنَّى شِئْتُمْ . . !
يقول الله جل وتعالى : " نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ "
ذلكم هو أدب القرآن . .
وتوجيه الوحي . .
ومنهج الوحي والنور
والهداية والسرور . .
" أَنَّى شِئْتُمْ . . " !
وهو التوجيه المؤدب اللطيف الذي يفتح للزوجين آفاقاً أبعد من الأداء الروتيني للقاء بينهما . . .
إنه توجيه يراعي فطرة البشر التي تحب التغيير والتجديد والتطور . . .
وهي الفطرة التي جعلت بعض الصحابة رضوان الله عليهم يسلك هذا التغيير حتى خاف من كونه أحدث أو أذنب . .
فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدّثه عن ذلك ، فمرة جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يارسول الله هلكت، قال ما الذي أهلكك ؟ قال: حولت رحلي البارحة، قال، فلم يرد عليه شيئاً. قال: فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } «أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة»
الأمر الذي يدلّنا على أن الفطرة البشرية تحب هذا التجديد والتغيير دون البقاء على رتابة واحدة ، وأن هذا التغيير لمّا كان هو داعي الفطرة من أجل لقاء ماتع جاءت الشريعة لتؤكد على هذا . .
إن المرء حين يقف عاجزاً عن التغيير فإنه ولا شك يفتر وينفر وينفّر !!
وهكذا حتى في أدق أمور الحياة الزوجية وأشدها حساسية وشفافية يأتي توجيه القرآن ليقي هذه الحياة من التصدع . .
بفتح هذا الباب ( المهاري ) في العلاقة الزوجية - أو قل : في اللقاء الزوجي - !!
فحتى لا يكون اللقاء رتيباً ..
مملاً ..
منفّراً . .
إليكما هذه الملامح في مهارة التغيير وبراعة الاتصال الزوجي :
- وليكن بينكما رسول !!
جاء في أثر : " لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة وليكن بينهما رسول " قيل : وما الرسول يا رسول الله ؟ قال : " القبلة والكلام ."
وعند الديلمي "ثلاثة من العجز"، وذكر منها أن يقارب الرجل زوجته فيصيبها قبل أن يحدثها ويؤانسها . . "
وهذا الرسول ( القبلة والكلام ) قد بيّنا أثره حين يكون رسولاً دائماً في الحياة الزوجية ، واثره في نماء الحب بين الزوجين وبقائه وتجدده .
وأيضاً هذا الرسول ( القبلة والكلام ) له أثره أيضاً عند اللقاء . .
وفي ذلك مهارات يعرفها الإنسان بطبعه وفطرته . . .
فمن ذلك حسن التجمّل والتطيب والتزين من كلا الزوجين . .
كان ابن عباس رضي الله عنهما يُدني المكحلة فيمشط رأسه ويكتحل ثم يقول : إني أحب أن يرى أهلي منّي مثل ما أحب أن أرى منهم !!
إلى غير ذلك من الأمور التي هي مقدمات للقاء ( مشوقات له ) !!
المقصود هو التنبيه على أهمية هذا الرسول بين الزوجين ورعايته بينهما .
- حوّل رحلك !!
" أَنَّى شِئْتُمْ " جاء في اللسان لابن منظور أن كلمة ( أنّى ) تأتي لمعانٍ ثلاثة "
- كيف .. ومنه قوله تعالى : " قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ"
- أين .. ومنه قوله تعالى : " وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ "
- متى . . ومنه قولهم : أنّى تأتنا ؟!
وحين نقرأ قوله " ِنسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ " مل
في التفسير يقول المفسرون : " أني شئتم أي : كيف شئتم غير ان ذلك في صمام واحد !
وحين نتأمل براعة التعبير القرآني بالإتيان بكلمة " أنّى " نجد أن كلمة ( أنّى ) هنا تصلح أن تنزّل عليها المعاني الثلاثة :
- كيف ( للهيئة ) !
- أين ( للمكان ) !
- متى ( للزمان ) !
وهو معنى عظيم لطيف بديع في الآية . .
فيا أيها الزوج المبارك . . حوّل رحلك في :
1 - الهيئة .
كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن شئت مجبية وغير مجبية غير أن ذلك في صمام واحد "
" واتقوا الحيضة والدبر " !!
إنه ليس من هدي القرآن ولا من أدب النبوة الإغراق في تفاصيل كيفية اللقاء والاتصال بين الزوجين بقدر ما هو أدب يفتح الباب للزوجين في أن يستمتع كل واحد منهما بالآخر كيف شاء إلا في حدود معينة .
إغراق بعض الرسائل والكتب في شرح طرق اللقاء بأسلوب - سامج - تمجّه الفطر السليمة هو خلاف هذا الأدب النبوي . وخلاف الذوق والأدب.
يكفي أن يتعلّم الزوجان أنه يحل لكل واحد منهما أن يستمتع بالآخر في
حوّل رحلك في :
2 - المكان .
والمكان هنا لا يحتمل إلا المكان المعد للقاء . وليس هو محل التقاء الختانين لأن هذاالمحل لا يحتمل التغيير لورود النهي عن ذلك .
لكن يحتمل المحلّ المعدّ للقاء ( غرفة كانت أو غيرها ) .
فمن باب التغيير وتحويل الرحل غير المكان . . يوماً هنا وليلة هناك . فليس شرطاً أن يكون اللقاء في ( غرفة النوم ) بل خارج غرفة النوم المعتادة كليّا، بحسب ما يسمح به تصميم البيت وظروفه.
حوّل رحلك في :
3 - الزمان .
غيّر موعد اللقاء ، فليس ضروريا أن يكون التلاقي في ساعة متأخرة من الليل، بل قد يكون في الصباح أو بعد العصر .
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه روضة المحبين إلى أن الجماع وقت النهار من أفضل الأوقات لأن النهار محل انتشار الحركات ، والليل وقت تبرد فيه الحواس وتطلب حظّها من السكون قال تعالى : " وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه "
المقصود أن تحويل الرحل في الهيئة والمكان والزمان مما يبدد النفور ويبعث على الحبور والسرور بين الزوجين .
- الحوار الممتع . . . !
إن الزوج المثالي حقاً هو الذي يحافظ على لذّة الإمتاع قبل وأثناء وبعد اللقاء . . !!
ولذلك كان من أهم الأمور أهمية في مهارة الاتصال الزوجي بين الزوجين . .
أن لا ينقطع الوصال بعد الاتصال . .
بل يبقى من خلال الحوار . . !!
الحوار الزوجي في مثل هذه الخصوصيات والدقائق الزوجية من أهم ما يبدد النفور بين الزوجين : !
هل سألت زوجتك عما يمتعها؟
عما يثيرها؟
عما تريد أن تفعله من أجلها؟
هل تحاورها بذلك قبل اللقاء ؟؟!
أثناء اللقاء ؟؟!
هل أكملت حوارك معها بعد الجماع في ما هي أكثر المواقف قد أمتعها اليوم؟
وهل سألتها عن مشاعرها؟
وماذا وكيف وصلت للذروة اليوم؟
وهل سألتها أثناء الجماع عن وصولها للذروة من عدمه؟
وهل نظرت إلى تعبيرات وجهها لتعرف ما يدور داخلها وما يسعدها أو يؤلمها؟...
إن بعض الأزواج يؤدي هذه العملية كعملية ( باردة ) روتينية في هدوء ( تام ) وكأنما هو مهمة حان وقتها وانقضت !!
إن الزوجة تخاف أن تعبر عن رغبتها في وضع معين أو معرفتها بصورة معينة من الممارسة أو الإثارة خوفًا أن تثير شكوك زوجها.. في مصدرها للمعرفة.. أو للممارسة السابقة لمثل هذا الأمر فتفضل أن تسكت وهي لا تحصل على متعتها وقد تظل كذلك طول عمرها.. وربما لا تدرك ما معنى الوصول للذروة أو لو علمت فإنها تخجل أن تطلب من زوجها أن يفعل ما يوصلها لها.. أو أن يصبر عليها حتى تصل لذروتها لأن بعض النساء يتأخرن عن الرجال..
وبسبب هذا الخجل من جانب وعدم وعي الزوج بأهمية هذا الحوار الزوجي في هذه اللحظة من لحظات حياتهم يصبح عند الزوجة نفوراً من زوجها ، وربما تطلّعت إلى غيره . . !!
فإن عفّت وكتمت أثّر ذلك عليها في أعراض جسمية مثل الصداع أو الآلام المتنقلة في الجسم والتي تحتار ويحتار معها الأطباء في التشخيص، وهي ببساطة لا تستمتع أثناء لقائها الجنسي مع زوجها الذي تحبه ، وربما أثّر ذلك عليها نفسياً فصارت عصبية كثيرة السخط والجزع !!
يا أيهاالأزواج ما رسوا الحوار الممتع مع زوجاتكم . . .
إن اللقاء الرتيب ( الصامت ) ينتهي كما بدأ بصمت ...
صمت في المشاعر ..
صمت في العواطف . .
صمت في كل شيء !!
بل الغريب - والخطير - أن يسرح خيال كل منهما في غير الآخر حال اللقاء !!!
إن تمام اللذة والمتعة الزوجية في هذا اللقاء لا تكون حتى يأخذ كل عضو حظه من اللذة . .
ولله درّ ابن القيم رحمه الله يوم كتب :
. . . . فإن صادف ذلك وجهاً حسناً وخلقاً دمثاً وعشقا وافراً ورغبة تامة واحتساباً للثواب فذلك اللذة التي لا يعادلها شيء ولا سيما إذا وافقت كمالها فإنها لا تكمُل حتى يأخذ كل جزء من البدن بقسطه من اللذّة ، فتلتذّ العين بالنظر إلى المحبوب ، والأذن بسماع كلامه والأنف بشم رائحته والفم بتقبيله واليد بلمسه وتعتكف كل جارحة على ما تطلبه من لذّتها وتقابله من المحبوب فإن فقد من ذلك شيءٌ لم تزل النفس متطلّعة إليه متقاضية له فلا تسكن كل السكون !! ( الروضة ص 143 )
- لا تنزع حتى تُمْتِع !
جاء في أثر فيما معناه : إذا أتى أحدكم أهله فقضى وطره فلا ينزع حتى تقضي وطرها !!
وفي الأثر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وفي بضع أحدكم صدقة " !
ومعلوم أن الصدقة شأنها عظيم عند الله ، ويعظُم أجر الصدقة بقدر ما تقع الصدقة موقعها ومحلها ..
ولمّا كان " في بضع أحدكم صدقة " كانت هذه الصدقة تعظم عند الله كلّما وقعت هذه الصدقة موقعاً وافياً تامّاً . . !!
إن بعض الأزواج يعيش حالة من الأنانية الذاتية . .
إذ ما يكاد يُنهي وطره وحاجته حتى قلب لزوجته ظهر المجنّ وهي بعد لمّأ تقضي وتأنس به كما أنس بها . .
والله تعالى يقول : " ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف " ..
يقول ابن القيم رحمه الله عند هذه الآية . .
وعليه أن يشبعها وطئاً إذا أمكنه ذلك كما عليه أن يشبعها قوتاً ...
ففي هذا :
* كمال اللذة
* وكمال الإحسان إلى الحبيبة .
* وحصول الأجر وثواب الصدقة .
* وفرح النفس .
* وذهاب أفكارها الرديئة عنها .
* وخفّة الروح وذهاب كثافتها وغِلَظِها .
* وخفة الجسم .
* واعتدال المزاج .
* وجلب الصحة ودفع المواد الرديئة .
فيا أيها الزوج تخلّى عن أنانيتك . . ولا تنزع حتى تُمتِع !!
- لا تأت أهلك إلا إذا وجدت اللرغبة .
لا تزال بعض الدعايات تطالعنا من خلال ( دوريات ) أو ( منتديات ) متخصصة وغير متخصصة ، ببعض العقاقير ( المقويّة ) للباءة !
والعجيب في الأمر أن مثل هذه العقاقير إنما وُصفت كحالة علاجية - في حال مرض معين - !!
لكن تجد أكثر اللاهثين وراءها أولئك الذين يبحثون عن الامتاع الجسدي !!
حتى يصير الواحد منهم إنما هو آلة تصدير . . !!
فتبرد متعة اللقاء . . وتصير عملية اعتيادية ممجوجة حتى تصل إلى درجة ( فك الاحتقان ) فقط !!
وبغض النظر عن الآثار الصحية على الأصحاء الذين يلهثون وراء هذه ( المقويّأت ) إلى النظر في الأبعاد النفسية وأثرها على سلوك الزوجين من حيث حصول المودة والرحمة ورغبة كلٍّ بالآخر ، وعدم النفور منه !!
إن الإدمان على علىالجماع إدماناً بغير حاجة - طبيعية له - له آثره الصحية والنفسيةسواء على الزوج أو الزوجة .
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن مداومة الجماع مما يعجّل بالضعف والوهن والهرم !!
من أجل أن يكون اللقاء ماتعاً . .
لا تأتِ أهلك إلا حين تشعر بالرغبة الطبيعية ، أو حين يشعرون هم بالرغبة .
أخيراً . . .
إن الإرادة والوعي بأهمية بذل الجهد في التجديد والتغيير ونفض الرتابة عن الحياة الزوجية هما نبع السقاء ؛ حتى يستمر الحب، ويظل اللقاء حيًّا حارّا ومتجدّداً. ....
وتبقى زهور المودّة والرحمة ....
ريّة نديّة . . .
تعبق بأريج الحب ...
وتنطف بعبير الوفاء . .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
لكل زوجين .. حتى لا يتسلل الفتور